أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 22 مارس : رمضان شهر الانتصارات ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 22 مارس 2024 م بعنوان : رمضان شهر الانتصارات ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 12 رمضان 1445هـ ، الموافق 22 مارس 2024م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 مارس 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : رمضان شهر الانتصارات .

 

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 مارس 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : رمضان شهر الانتصارات ، بصيغة word أضغط هنا.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 مارس 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : رمضان شهر الانتصارات ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 22 مارس 2024 م بعنوان : رمضان شهر الانتصارات ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) رمضانُ دعوةٌ للعملِ، ولنفضِ النومِ، وتركِ الكسلِ.

(2) انتصاراتٌ وقعتْ في شهرِ رمضانَ المعظمِ.

(3) ما نتعلمُهُ مِن تلك الانتصاراتِ في حياتِنَا اليوميةِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 22 مارس 2024 م بعنوان : رمضان شهر الانتصارات ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ

 

الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 22 مارس : رمضان شهر الانتصارات 

(1) رمضانُ دعوةٌ للعملِ، ولنفضِ النومِ، وتركِ الكسلِ:

إنَّ العبادةَ والعملَ في الإسلامِ لا يفترقانِ فهمَا متلازمتانِ تلازمًا لا انفكاكَ لأحدِهِمَا عن الآخر، فالعبادةُ ما هي إلّا عملٌ يُسعَى بهِ إلى إرضاءِ الخالقِ، وهي المقصدُ الأسمَى مِن إيجادِ الإنسانِ، قالَ ربُّنَا: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، والعملُ عبادةٌ؛ إذ يحققُ معنى الاستخلافِ في الأرضِ، قالَ سبحانَهُ على لسانِ صالحٍ عليهِ السلامُ: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾، والمستقرءُ للسياقِ القرآنِي يجدُ أنَّ اللهَ قد ربطَ بينَ العبادةِ والسعيِ لطلبِ الرزقِ، وتحصيلِ لقمةِ العيشِ فقالَ تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، لكنْ تجدُ البعضَ قد حوَّلَ هذا الشهرَ إلى حالةٍ مِن الكسلِ والتباطءِ عن العملِ، فتجد أحدَهُم يسهرُ الليلَ كلَّهُ، وينامُ النهارَ ولا يستيقظُ إلّا على الإفطارِ، فهل هذا حقّقَ مقصدَ الصيامِ والغايةَ منهُ ؟!، وتجدُ البعضَ الآخرَ يذهبُ للعملِ لكنّهُ يصلُ متأخرًا، ويتكاسلُ عن قضاءِ مصالحِ الخلقِ بل أحيانًا يؤجلُ ويسوفُ إلى ما بعدَ رمضانَ بحجةِ أنَّ الصيامَ يتعبُهُ ويرهقُهُ، وأحيانًا يتعاملُ مع مَن أمامَهُ بالضجرِ والضيقِ، ألَا يدرِي هذا أنَّ الانضباطَ في مواعيدِ العملِ، وأنَّ إتقانَ ما أُسندَ إليهِ مِن أعمالٍ قد جاءَ بهِ الأمرُ عن سيّدِ الخلقِ على وجهِ العمومِ دونَ تخصيصِ ذلك بوقتٍ معينٍ، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» (أَبُو يَعْلَى)، ولأنَّ الْإِمْدَادَ الإلهيَّ ينزلُ على الْعَامِلِ بِحَسبِ عملِهِ، فَكلُّ مَن كَانَ عملُهُ أتقنَ وأكملَ، فالحسناتُ تتضَاعفُ أَكثرَ، وَإِذا أَكثرَ العَبْدُ أحبَّهُ اللهُ، بل أحيانًا قد تفوقُ قيمةُ العملِ، وثوابُ العاملِ قيمةَ بعضِ العباداتِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لِيُبَلِّغُ الْعَبْدَ بِحُسْنِ خَلْقِهِ دَرَجَةَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ» (الحاكم)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ – وَأَحْسِبُهُ قَالَ- وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ» (متفق عليه)، فما أجملَ في هذا الشهرِ الكريمِ أنْ يسعَى المسلمُ لقضاءِ مصالحِ الخلقِ، وإنجازِ مهامِّ عملِهِ، فيكونَ بذلك مفتاحًا للخيرِ، مغلاقًا لأبوابِ الشرِّ، قَالَ ﷺ: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ» (ابن ماجه) .

إنَّ الإسلامَ أمرَ بالجدِّ والعملِ في شهرِ رمضانَ، ورفضَ منهجَ السلبيةِ والتواكلِ والاحتجاجِ بالعبادةِ لتركِ العملِ والسعيِ، وأنْ يكونَ الإنسانُ عالةً على الآخرينَ، فبقدرِ كدِّهِ وتعبهِ في الحياةِ يكونُ جزؤاهُ وأجرُهُ، وحيثمَا كنتَ تستطيعُ أنْ تتقربَ إلى اللهِ سبحانَهُ وذلك بإخلاصِ النيةِ، وصدقِ الطويَّةِ، وحسنِ العملِ، والقيامِ على خدمةِ الآخرين، أمَّا تركُ العملِ والتقاعسُ عن أداءِ الواجباتِ فهذا فيهِ خيانةٌ للأمانةِ التي وسدتْ إليهِ، وليحذرْ فاعلُهُ فهو على خطرٍ عظيمٍ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» (متفق عليه) .

إنَّ المقصدَ الأسمَى مِن الصيامِ تحقيقُ التقوَى وهي التي تدفعُ المسلمَ إلى أنْ يقومَ بواجباتِه، ويؤدِّى عملَهُ على الوجهِ الأكملِ، والمتصفحُ في السيرةِ النبويةِ يجدُ أنَّ نبيَّنَا ﷺ لم يردْ عنهُ أو عن غيرهِ مِن الصحابةِ أنّهُم كانُوا يتركونَ في رمضانَ أمورَ معاشِهِم للتفرغِ للعبادةِ، بل يجمعونَ بينَ ذلك كلِّهِ في توازنٍ مُحَكمٍ يضمنُ أداءَ العبدِ ما افترضَهُ اللهُ مِن عباداتٍ، ويضمنُ استقرارَ العملِ والإنتاجِ بطريقةٍ وسطيةٍ لا إفراطَ فيهَا ولا تفريط، ولذا رفضَ ﷺ أنْ يكونَ الصومُ حجةً لتركِ العملِ، والتعللِ بهِ، وجعلهِ سبيلًا إلى العنتِ والمشقةِ، فعَنْ جَابِرِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ص ﷺ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ، حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» (مسلم) .

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 22 مارس : رمضان شهر الانتصارات 

 (2) انتصاراتٌ وقعتْ في شهرِ رمضانَ المعظمِ:

في شهرِ رمضانَ حقَّقَ المسلمونَ عدةَ انتصاراتٍ كانتْ بمثابةِ المحطةِ الفارقةِ والنقطةِ الفاصلةِ في حياةِ الأمةِ، وقد حفلَ تاريخُ المسلمينَ الطويلُ بستجيلِ نماذجَ متعددةٍ مِن الانتصاراتِ في شهرِ رمضانَ مِمَّا يؤكدُ أنَّهُ شهرُ الإنتاجِ والعملِ لا الخمولِ والكسلِ، ففيهِ وقعَ انتصارُ بدرٍ (2ه)- وقد سمّاهُ القرآنُ الكريمُ يومَ الفرقانِ- الذي أعزَّ اللهُ فيهِ  نبيَّهُ ﷺ والمؤمنينَ، قالَ تعالَى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، فالمسلمونَ كانُوا أذلةً متضرعينَ صائمينَ، أمّا المشركونَ فنرَى فيهم الكبرَ والعنجهيةَ، فأبو جهلٍ لَمّا جاءَهُ الخبرُ بنجاةِ القافلةِ أصرَّ على التقدمِ، وقالَ: «وَاَللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرًا- وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ ، يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ سُوقٌ كُلَّ عَامٍ- فَنُقِيمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَنَنْحَرُ الْجُزُرَ، وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَنُسْقِي الْخَمْرَ، وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ، وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا، فَامْضُوا» لكنْ رسولُنَا ﷺ استشارَ أصحابَهُ فسُرَّ وفرحَ ﷺ بمَا قالُوا ثُمَّ قَالَ:«سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللهَ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ الْآنَ مَصَارِعَ الْقَوْمِ» فكانَ النصرُ حليفَهُم، والمددُ الإلهيُّ معهُم، واستمعْ إلى السياقِ القرآنِي وهو يجسدُ هذا المشهدَ في صورةٍ حيَّةٍ كأنَّه واقعٌ مَشَاهَدٌ فيقولُ ربُّنَا:﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم﴾، وقد استحقَّ أهلُ بدرٍ المغفرةَ والعتقَ مِن النيرانِ قالَ ﷺ: “لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ” (متفق عليه) .

لقد كانتْ طاعةُ اللهِ ورسولِهِ، والبعدُ عن التنازعِ والخلافِ، واللجوءُ إلى اللهِ والاعتمادُ عليهِ، والإلحاحُ في الدعاءِ مِن أهمِّ عواملِ النصرِ العظيمِ في يومِ بدرٍ، حيثُ يقولُ ربُّنَا: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، فمَا أحوجَ واقعنَا المعاصرَ إلى مثلِ هذا .

ووقعَ في رمضانَ أيضًا فتحُ مكةَ (8ه) الذي ضربَ فيهِ رسولُنَا ﷺ أروعَ الأمثلةِ في الصفحِ والعفوِ عن المسيئينَ، قال ﷺ: «مَا تَرَوْنَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ؟» قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ قَالَ: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ» (السنن الكبرى)، ولذا سمَّاهُ يومَ المرحمةِ فقالَ ﷺ: «يَا أَبَا سُفْيَانَ، الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَرْحَمَةِ، الْيَوْمَ أَعَزَّ اللَّهُ فِيهِ قُرَيْشًا»، وقد وفَّرَ لهم وسائلَ كي يَأْمَنَ أهلُ مكةَ، فقَالَ ﷺ: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابهُ فَهُوَ آمِنٌ» (مسلم)، وتلك هي خصائصُ شهرِ رمضانَ، فهو شهرُ المغفرةِ والعفوِ، والأمنِ والأمانِ، والسلمِ والسلامِ.

وهناك موقعةُ البويبِ (13ه) التي حدثتْ في عهدِ عمرَ بنِ الخطابِ، وقد وقعتْ على ضفافِ نهرِ الفراتِ في بلادِ فارس، بوصيةٍ مِن أبي بكرٍ الصديقِ رضي اللهُ عنهما خليفةِ رسولِ اللهِ ﷺ ، وكان قائدُ المسلمينَ المثنَّى بنُ حارثة، وانتصرَ المسلمون على الفرسِ، وارتفعَ فيها لواءُ الإسلامِ.

وفي رمضانَ عام (658هـ) دارتْ رحى معركةِ عينِ جالوت على أرضِ فلسطين، وكانت هذه المعركةُ بين المسلمين المماليكِ بقيادةِ قطز، وبينَ المغولِ الذين عاثُوا في الأرضِ فسادًا، وكان النصرُ حليفَ المسلمين، وكسرَ القائدُ مظفرُ قطز حاجزَ الخوفِ، وهزمَهُم شرَّ هزيمةٍ.

تابع/ خطبة الجمعة القادمة 22 مارس : رمضان شهر الانتصارات 

لقد فهمَ الأوائلُ أنَّ رمضانَ شهرُ عملٍ وعبادةٍ لا شهرُ نومٍ وكسلٍ، وأنّهُ لا تعارضَ اطلاقًا بينَ مفهومِ العبادةِ وبينَ السعيِ في الأرضِ طلبًا للرزقِ بل فعلُ هذا داخلٌ بالضرورةِ تحتَ العبادةِ، ولا ينكرُ ذلك إلّا جاهلٌ جهولٌ لا يعرفُ مِن الدينِ سوىَ القشورِ، ولا يدركُ المقاصدَ الشرعيةَ والأهدافَ الساميةَ للعباداتِ، لقد”أرسلَ عبدُ اللهِ بنُ المباركِ بقصيدةٍ للفضَيلِ بنِ عياضٍ حيثُ كان الفضيلُ في مكةَ ملازمًا للحرمِ، وكان ابنُ المباركِ مرابطًا في الثغورِ في طرسوسِ ومِمّا جاءَ في قصيدتِه:

يا عابدَ الحرمينِ لو أبصرتنَا … لعلمتَ أنّكَ بالعبادةِ تلعبُ

مَن كان يخضِبُ جيدَهُ بدموعِهِ … فنحورُنَا بدمائِنَا تتخضَّبُ

أوْ كان يُتعِبُ خيلَهُ في باطلٍ … فخيولُنَا يومَ الصبيحةِ تتعبُ

ريحُ العبيرِ لكُم ونحنُ عبيرُنَا… رهَجُ السنابكِ والغُبارُ الأطيبُ

ولقد أتانَا مِن مقالِ نبيِّنَا … قولٌ صحيحٌ صادقٌ لا يكذبُ

لا يستوي وغُبار خيلِ اللهِ في … أنفِ امرئٍ ودُخانُ نارٍ تلهَبُ

هذا كتابُ اللهِ ينطقُ بيننَا … ليس الشهيدُ بميتٍ لا يُكذَبُ

ولما أُلقِيَ بالكتابُ إلى الفضيلِ، وكان في الحرمِ قرأَهُ وبكَى ثُم قال: صدقَ أبو عبدِ الرحمنِ ونصحَ” أ.ه.

لقد كان رمضانُ منطلَقًا بالأمةِ إلى العالميةِ؛ حيثُ خرجُوا مِن حدودِ الجزيرةِ العربيةِ إلى العالميةِ، حيثُ حملوا راياتِ التوحيدِ إلى قلبِ العالمِ، وذلك مبكرًا جدًّا عندما فتحَ المسلمون جزيرةَ رودوسٍ سنةَ 53هـ، ثُم فتحُوا الأندلسَ 28 رمضان في معركةِ وادي لكة الشهيرة بقيادةِ طارقِ بنِ زيادٍ سنة 92هـ، وظلت دولةً مسلمةً ثمانيةَ قرونٍ، وأصبحَ غربُ القارةِ الأوروبيةِ مسلمًا يترددُ الأذانُ في جنباتِه، ثم فتحَ المسلمون جزيرةَ صقلية سنة 212هـ، عندما قادَ القائدُ الفقيهُ المحدثُ أسدُ بنُ الفراتِ جيوشَ المسلمينَ لمعركةِ سهلِ بلاطة في التاسعِ مِن رمضانَ سنةَ 212هـ؛ ليفتحَ أكبرَ جزرِ البحرِ المتوسطِ، ويصبحُ المسلمونَ على بعدِ خمسةِ أميالٍ فقط مِن إيطاليا، ثم واصلَ المسلمونَ انطلاقَهُم إلى العالميةِ لنشرِ الإسلامِ بينَ ربوعِ المعمورةِ، وفتحَ العثمانيون – بقيادةِ سليمان القانوني – بلجراد عاصمةَ الصربِ في رمضان سنة 927هـ، وانتشرتْ فيها المساجدُ حتى بلغَ تعدادُهَا 250 مسجدًا .

وانتصرَ المسلمون أيضًا في “عين جالوت” بقيادةِ قطز على جحافلِ التتارِ في 25 مِن رمضانَ سنة 658هـ، تلك المعركةُ التي قامت أمةُ الإسلامِ بعدهَا مِن غفلتِهَا، وقامتْ تحتَ قيادةٍ واحدةٍ، وقضُوا على أسطورةِ التتارِ الجيشِ الذي لا يهزمُ، وأنقذتْ العالمَ الإسلاميَّ مِن خطرٍ داهمٍ لم يواجَه مثلَهُ مِن قَبْل، وأنقذتْ حضارتَهُ مِن الضياعِ والانهيارِ، وحمتْ العالمَ الأوروبيَّ أيضًا مِن شرٍّ لم يكنْ لأحدٍ مِن ملوكِ أوروبا وقتئذٍ أنْ يدفعَهُ.

وأعظمُ معركةٍ وقعتْ في العصرِ الحديثِ أكتوبر 1973م، الموافقُ العاشر مِن رمضانَ 1393ه، حيث التقَى الجيشُ المصريُّ مع العدوِّ الغاشمِ على أرضِ سيناءَ الحبيبة، فهَزمَ هذا المحتلَّ، وأبطلَ مقولتَهُم التي طالمَا كانوا يتغنونَ بها “أسطورةُ جيشِهِم الذي لا يقهر”، وسطرتْ قواتُنَا المسلحةُ بأحرفٍ مِن نورٍ هذا النصر، وبذلَ جنودُنَا الغالي والنفيسَ في تحقيقِ سبيلِ العزةِ والكرامةِ، فضحُّوا بأرواحِهِم، ورووا الأرضَ بدمائِهِم دفاعًا عن وطنِهِم وأعراضِهِم فحُقَّ فيهم قولُ ربِّنَا: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾، عبرَ جنودُنَا وهم صائمونَ رغمَ أنَّ الشرعَ الحنيفَ رخصَ لهم الفِطرَ لكنْ أبتْ أخلاقُ وطبائعُ هؤلاءِ العظام- ومحبتُهُم للشهادةِ في سبيلِ تحريرِ وطنِهِم مِن عدوهِم الغاشمِ- إلّا أنْ يكونُوا صائمين: “لا نريدُ أنْ نُفطرَ إلّا في الجنةِ”، فعلتْ أصواتُهُم بكلمةِ «اللهُ أكبرُ»، وكان عنصرُ المفاجأةِ قد أذهلَ الجميعَ، وخرجَ العدوُّ مِن وكرهِ مذعورًا خائفًا مِن هؤلاءِ الأبطالِ البواسلِ الذي جاءُوا مِن كلِّ حدبٍ وصوبٍ، وتدفَّقُوا كالسيلِ العرمِ، وكانت الروحُ المعنويةُ التي قامَ بها مولانَا العارفُ باللهِ الإمامُ الأكبرُ الشيخُ/ عبد الحليم محمود لجنودِنَا لها عظيمُ الأثرِ في تخفيفِ حرارةِ الجوِّ، ووطأةِ الموقفِ حيثُ بشرَهُم أنَّهُ رأَى رسولَ اللهِ ﷺ في المنامِ وهو يرفعُ رايةَ «اللهُ أكبرُ»، وما زالَ الجيشُ المصريُّ على العهدِ باقيًا وسيظلُّ كذلك إلى أنْ يرثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليهَا رغمَ كيدِ الكائدين، وأبواقِ المفسدينَ مصداقًا لقولِ سيدِ المرسلينَ ﷺ:«إذا فتحَ اللهُ عليكُم مصرَ بعدِي فاتخذُوا فيهَا جندًا كثيفًا، فذلك الجندُ خيرُ أجنادٍ الأرضِ، فقالَ لهُ أبو بكرٍ: ولِمَ ذلك يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: لأنَّهُم في رباطٍ إلى يومِ القيامةِ» (كنز العمال) .

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 22 مارس : رمضان شهر الانتصارات 

(3) ما نتعلمُهُ مِن تلك الانتصاراتِ في حياتِنَا اليوميةِ:

نتعلمُ مِن تلك الانتصاراتِ في حياتِنَا الرُّوحيةِ أنَّ خيرَ انتصارٍ يحققُهُ المسلمُ في رمضانَ أنْ ينتصرَ على شيطانِهِ ونفسِهِ الأمارةِ بالسوءِ بحيثُ يروضُهَا ويهذبُهَا على قبولِ الخيرِ وما فيهِ النفعُ في العاجلِ والآجلِ، ويقلعُ عن شهواتِه المحرمةِ، وعاداتِه السيئةِ كالشحِّ والبخلِ والأثرةِ، ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾، فيكون مِمّن فازَ وسعدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ النَّاس إِنَّمَا الشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ» (ابن حبان)، فالسالكُ إلى اللهِ لا بُدَّ أنْ يجعلَ رمضانَ فرقانًا في حياتِه، يترقَّى بروحِهِ إلى المقاماتِ العليَّةِ، ويجعلَ رمضانَ محطةً للتَّجليَّاتِ الربَّانيةِ وللفتحِ الإيمانِي، ﴿فَأَمَّا مَن طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ .

إنَّ تحقيقَ هذا النوعِ مِن الانتصارِ هو الأساسُ الذي تُنبنَي عليهِ كلُّ الانتصاراتِ الأخرَى، فإنْ تربَّى العبدُ على الاستحضارِ الدائمِ لعاملِ المراقبةِ للهِ، وذلك بعدمِ جعلِ اللهِ أهونُ الناظرينَ إليهِ، وتجنُّبِ ما لا يرضيهِ من قولٍ أو خلقٍ، أو سلوكٍ سرًّا أو علانيةً، فيكنْ بذلك قد تجاوزَ عتبةَ الانتصارِ الأولِ والمهمِّ في مدرسةِ الصيامِ ليصحبَهُ صحبةً دائمةً لازمةً طيلةَ العامِ، ومَن لم يستطعْ أنْ ينتصرَ في معركتِهِ مع لسانِهِ – وهو صائمٌ – لا يُمكنهُ أنْ ينتصرَ في معركتِهِ مع شيطانِه وشهواتِه بل إنَّ الانهزامَ أمامَ اللسانِ وآفاتِه يؤدِّي بصاحبِه إلى الإفلاسِ والخسرانِ، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان   د / محروس رمضان حفظي عبد العال

مدرس التفسير وعلوم القرآن كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »